ج2لماذا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفني وظائف أكثر مما يُنشئ؟

نيك هيث
في هذا المقال نترجم لكم ما كتبه نيك هيث كبير مراسلي مدونة TechRepublic بالمملكة المتحدة، يكتب عن التكنولوجيا التي يحتاج صناع قرار تكنولوجيا المعلومات إلىمعرفتها، وآخر الأحداث في مشهد التكنولوجيا الأوروبية.

الجزء الثانى:
في الجزء الأول تحدث نيك عن الأسباب المؤدية لتقلص الدور البشري أمام الميكنة والحوسبة، وقام بتسليط الضوء على المجالات التي تنبأت الدراسات بتلاشي الدور البشرى فيها. في هذا الجزء يتناول نيك شرح المجالات الأخرى حيث يحدث العكس ويزدهر الدور البشري فيها وكيفية إيجاد سبل جديدة لمن تم استبدالهم بالميكنة.

أي الأدوار يمكن أن تزدهر في عصر الماكينات؟
فرص العمل ليست قاتمة بالنسبة لكل المهن وفقًا لبرينجولفسون. ووفقًا لدراسة مدرسة مارتن بأكسفورد وكلية الفلسفة.
فهم يحددون ثلاثة مجالات واسعة من النشاط البشري ستكون مقاومة للميكنة في المدى القصير والمتوسط.

الأدوار اليدوية:
وعلى الرغم من كون العديد من الأدوار اليدوية منخفضة الأجر، لكن هذا النوع من العمل من المرجح أن تظل مقاومة للميكنة لدرجة مستغربة. بعض الوظائف الغير مُجزية اليوم تبقى صعبة بطريقة استثنائية على الروبوتات، مثل أبسط المهام اليدوية مثل المشي على المناطق الوعرة التي هي أبعد من قدرات معظم الروبوتات الحديثة. تعرف هذه الظاهرة باسم مفارقة مورافيك Moravec’s Paradox، وهي ملاحظة ترجع لكبار باحثي الذكاء الاصطناعي في الثمانينيات تنص على أن أجهزة الحاسب تجد صعوبة في المهام التي نعتبرها سهلة والعكس بالعكس. فبينما يستغرق الإنسان ثوان لطيّ منشفة، فإن الروبوت الذي استخدم لتنفيذ نفس المهمة في عام 2010 استغرق ما يقرب من 25 دقيقة.

وكما يشير الكتاب: “نتائج مثل هذه تشير إلى أن الطهاة، البستانيين، عمال الصيانة، والنجارين، وأطباء الأسنان، والممرضين المنزليين ليسوا على وشك أن تحل محلهم الآلات في المدى القصير وجميع هذه المهن تنطوي على الكثير من العمل الحسيّ، وكثير منها تتطلب أيضًا مهارات التفكير، التعرّف على إطار واسع من الأنماط، والاتصالات المعقدة”.

“الآلات خرقاء جدًا إذا فكرت في الأمر. ليس لديها خفة الحركة، وقليل، إن وجد، من الروبوتات يمكنها أن تلتقط عملة عشرة سنتات من على مكتبي، على الرغم من أن الشخص البالغ من العمر ثلاث سنوات أو سنتين يمكن أن يفعل ذلك” كما قال برينجولفسون.

الأعمال الإبداعية:
“التكنولوجيات الرقمية من نواحٍ عديدة هي مكملة وليست بديلة للإبداع”، كما قال برينجولفسون.

“إذا جاء شخص ما بأغنية جديدة، مقطع فيديو، أو واحدة من البرمجيات فليس هناك وقت أفضل في التاريخ لتكون شخصًا مبدعًا يُريد الوصول، ليس فقط لمئات أو لآلاف، ولكن للملايين والمليارات من العملاء المحتملين.

وأضاف “هذا نبأ عظيم لكثير من الناس الذين يصبحون مليونيرات أو حتى مليارديرات باستخدام قدراتهم الإبداعية لعمل منتجات وخدمات جديدة يمكن رقمنتها” واضاف.

العلاقات الإنسانية:
“الآلات ليست جيدة جدًا في التحفيز والرعاية، والاهتمام براحة الناس. التفاعلات البشرية هي شيء مهم ولكن، حتى الآن على الأقل، فالآلات غير ملائمة إطلاقًا لهذا النوع من المهام.”

وقال أن المهارات الاجتماعية المعاقة لدى الآلات تعني أن مندوبي المبيعات، ومديري المشاريع ورواد الأعمال سيكون لهم مستقبل مشرق معقول، وكذلك الممرضات ومعلمات رياض الأطفال والمساعدون المنزليون.

معًا أفضل:
النتيجة الأكثر بعثًا على التفاؤل من الميكنة نفسها وما تؤدي إليه من بطالة جماعية هي أن نرى هذه التقنيات باعتبارها أداة تسمح للناس بإنجاز أكثر.

فتمامًا مثلما لا نجدُ أحدًا يرثى معالجات النصوص الإلكترونية التي تعني أنه لم تعد هناك حاجة لإعادة كتابة وثيقة من الصفر، لذلك فمن المرجح أننا نرحب بالمقدرة على التعرف الآني على الكلام real-time speech recognition والترجمة.

يستكشف برينجولفسون فكرة تعاون الناس مع الآلات، بدلًا من التنافس ضدها، وتحقيق أكثر مما يمكن لكل واحد تحقيقه بشكل فردي.

وقد تجلت قوة التعاون بين الإنسان والآلة من خلال لاعبي شطرنج هاويين غير مصنفين في عام 2005، كما يقول برينجولفسون ومكآفي في الكتاب. شارك زوج عشاق الشطرنج في بطولة حرة للشطرنج على موقع Playchess.com، حيث يمكن للأفراد عمل فريق واحد مع أشخاص آخرين أو أجهزة الحاسب. وعلى الرغم من الصعود لمواجهة عدة محترفين للشطرنج والحاسب الفائق ‘هيدرا‘ استطاع زوج الهواة الفوز في المسابقة، وذلك باستخدام برمجيات شطرنج مخصصة تعمل على ثلاثة أجهزة حاسب محمولة لتحليل الرقع وتوجيه لعبهم.

“هذه حدود حقيقية لرواد الأعمال لتطوير طرق جديدة لما نسميه “السباق مع الآلات”، وهو الجمع بين الآلات والبشر في طرق جديدة للسماح لهم بالقيام بالمهام التي كان لا يمكنهم القيام بها سابقًا”، كما قال برينجولفسون.

وأضاف “أعتقد أن هذا مثير للغاية وأنه غير مفهوم جيدًا. على سبيل المثال، يمكن أن أتصور الواقع التكميلي Augmented reality يساعد البشر. تخيّل أنك مساعد منزلي أو ممرض ورأيت وحمة أو علامة مرضية غير عادية غير متأكدين تمامًا ما هي، يمكنك استخدام نظارات الواقع التكميلي أو أدوات أخرى لترسل صورة من هذا التطور إلى خبير بشري أو حتى نظام خبير، وهو نظام صنع قرار يحلل شكل وملامح تلك العلامة ويعطي المشورة بشأن ما إذا كنت بحاجة لجلب ذلك الشخص لتلقي العلاج “.

وأضاف أيضًا، “وبالمثل، يمكن لتلك النظارات تركيب معلومات مفيدة للميكانيكيين والجراحين والطهاة لـ”مساعدتهم مع أجزاء المهام التي لن يعرفوا كيفية القيام بها بشكل آخر”.

“[هناك] أنواع عديدة أخرى من المهام حيث يمكنك الجمع بين التكنولوجيا مع المهارات البشرية، وبذلك حتى العمال ذوو المهارات المتوسطة يصبح بإمكانهم أن ينجزوا المهام التي لم يتمكنوا من عملها في السابق”، كما قال برينجولفسون.

الكتاب يكرر شيئًا يمكن أن يبدو نافعًا كمشورة مهنيّة في المستقبل: “إن المشورة المهنية التي يقدمها رئيس جوجل الاقتصادي هال فاريان في كثير من الأحيان: اسعَ لتكونَ مكملًا لا غنى عنه لشيء يزداد رُخصًا ووفرة.”

يرى جينينغز الأستاذ بجامعة ساوثامبتون دور الذكاء الاصطناعي في تعليم الناس المهارات اللازمة للقيام بأدوار جديدة.

“يمكنك أن ترى الذكاء الاصطناعي كنظام ومستودع للمعرفة المشتركة” كما قال جينينغز. “يمكنك تجسيد الكثير من ذلك في البرمجيات. فبجعل نظام البرمجيات يعمل كذاكرة مشتركة يمكن أن تجعل القيام بالوظائف التي تتطلب مهارات متوسطة أسهل. فيمكن أن تساعد في نقل المهارات وسيولة البشر [للتنقل بين وظائف].”

وجود برمجيات قادرة على تزويد العمالة بالبيانات والسجلات ذات الصلة في جزء ضئيل من الوقت الذي سيستغرق الشخص قد يكون ضروريًا إذا استمرت البيانات الرقمية في النمو بسرعتها الاطرادية الحالية.

“وكلما نحصل على مزيد من البيانات والمعلومات المتاحة أكثر من أي وقت مضى، فإنه يصعب على البشر القدرة على أخذها في الحسبان” كما قال جينينغز. “أرى الآلة تتدخل وتوفر اندماجًا ذكيًا من هذه البيانات وتعمل عليها مع البشر.”

وأعطى مثالًا على كيفية مساعدة ‘واتسون‘ نظام IBM للأطباء بعمل اقتراحات تستند إلى الأبحاث من أحدث المجلات الطبية. ويجري بالفعل تجربة النظام في مركز ماين لطب السرطان Maine Center for Cancer Medicine ومجموعة وستميد الطبية Westmed Medical Group في نيويورك، حيث توصي بعلاجات سرطان الرئة.

من معرفته للطريقة عمل نظم الذكاء الاصطناعي اليوم، يجد جينينغز أنه من الصعب تصور وجود نظام يمكن أن تحلّ محل مجموعة كاملة من مهارات الإنسان.

“إن برمجيات الذكاء الاصطناعي تميل إلى أن تكون عميقة جدًا وضيقة جدًا،” كما قال. “هناك المزيد من فرص العمل أو المهام الأكثر احترافًا التي تتطلب فقط قاعدة أوسع من الخبرة والتجربة التي يناضل الذكاء الاصطناعي من أجل اكتشافها”.

بدلًا من ذلك فإن جينينغز يرى الأنظمة التي تعتمد على روتين الذكاء الاصطناعي تتخذ تدريجيًا دورًا أكبر وأكبر في مساعدة البشر على القيام بوظائفهم.

“أين ستبدأ في الحدوث؟ في المهام الضيقة. وسوف تبدأ بصنع الحاسب لاقتراحات وإذا كان كل ما تفعله تدريجيًا هو الضغط على اختيار ‘نعم‘، فإن ثقتكم فيما يمكن للبرنامج القيام به سوف تزداد تدريجيًا” كما قال. وأضاف “هذا بالنسبة لي هو أفضل نموذج للمتابعة ثم عندئذ سنكون في طريقنا لتطوير بعض البرامج الفاخرة وإقالة كل هؤلاء الناس”.

هل سيجد المُرحّلون أدوارًا جديدة؟
ربما أفسد عصر الآلة الأول – الثورة الصناعية – سبل معيشة العديد من التجار الحرفيين لكنه لم يكن لها أثر سلبي دائم على عدد من الوظائف في الدول الصناعية.

وكما قال آلان مانينغ، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد: “التاريخ يعلمنا أن أسواق العمل قادرة على التعافي من الاضطرابات الناجمة من التغير التكنولوجي.”

“إذا اتخذنا منظورًا تاريخيًا فإن التغير التقني كان دائمًا ما يُفني بعض الوظائف وينشئ غيرها، وهذه لن تكون مختلفة عن تلك” كما قال مانينغ، “سيكون هناك بعض الأشخاص الذين أمضوا 20 أو 30 عامًا متخصصين في وظيفة وفجأة لا يعود هناك طلب عليها. سيعانون من خسائر كبيرة ولكن على المدى الطويل ستتلاشى، لن يخوض الشباب في تلك الوظائف وسيتحولون إلى شيء آخر، وهناك دائمًا شيء آخر للذهاب إليه”.

و مما لا شك فيه أن عصر الآلة الثاني قد أنشأ مساحات لفرص العمل كانت محيرة حتى بضعة عقود ماضية. فقط ارجع للوراء حتى أواخر التسعينيات وحاول أن تفسر ما هو مشغل YouTube Let’s أو أوائل الثمانينيات وأخبر أحدًا أنك خبير “تهيئة المواقع لمحركات البحث SEO“.

مشغل YouTube Let’s هو أحد الأدوار التي أصبحت ممكنة بواسطة الخدمات التي نمت على الإنترنت.

Image: Nick Heath/YouTube

ولكن برينجولفسون يقول أن “المجتمع لايجب أن يتوقع تكيف الناس ببساطة على فرص العمل الممنوحة لهم من خلال التكنولوجيات الجديدة. فالتكيف مع الاضطرابات العمالية التي أعقبت الثورة الصناعية تطلبت إصلاحًا طويل الأجل لنظم التعليم”، كما قال، “وهو نهج قد يحتاج إلى تكرار”.

وأضاف “إذا نظرتم إلى عصر الآلة الأول فقد عملت الغالبية العظمى من الأمريكيين في الزراعة. الآن هم فقط أقل من اثنين في المئة”، كما قال. “لكن أولئك الأشخاص [الذين يعملون في الزراعة] لم يصبحوا مجرد عاطلين عن العمل، فقد قاموا بإعادة صقل مهاراتهم reskilled. فواحدة من أفضل الأفكار لدى أمريكا كان التعليم الابتدائي الشامل، وهذا أحد الأسباب أنها أصبحت زعيمة اقتصادية وتبنت بلدان أخرى أيضًا هذا النموذج من التعليم الشامل، حيث كان الناس يدفعون ليس فقط لأطفالهم ولكن لأطفال الآخرين مصاريف الذهاب إلى المدرسة “.

تبع ذلك المزيد من التشريعات ففي الخمسينيات وضعت القوانين لدعم انتشار المدارس الثانوية على نطاق واسع والتعليم الجامعي في الولايات المتحدة.

“وضعنا الكثير من الجهد في إعادة صقل مهارات الناس في العصور السابقة. وكان ذلك مكلفًا جدًا وليس بسيطًا، ولكنه كان في نهاية المطاف ناجحًا” كما قال برينجولفسون.

هذا الالتزام من أجل التعليم لابد أن يستمر كما يقول برينجولفسون، الذي يزعم أن التعلم مدى الحياة سوف يكون ضروريًا للناس لمواكبة المتطلبات المتغيرة للأدوار التي يجري باستمرار إعادة تشكيلها بالتكنولوجيا.

“علينا إعادة اكتشاف التعليم وصقل المهارات، وعلى الناس أن تأخذ على عاتقها تعلم هذه المهارات بجدية أكثر. ولأن التكنولوجيا تتغير بسرعة أكبر، فإنها ستكون حالة من التعلم مدى الحياة وصقل المهارات بشكل مستمر.”

بالطبع التعليم لا يزال صعبًا وباهظ الثمن، ولكن يعتقد برينجولفسون أن التدريس يمكن أن يصبح أكثر سهولة للحصول عليه في المستقبل مع ظهور الجامعات مثل جامعة ستانفورد التي تجعل الدورات كلها متاحة مجانًا على شبكة الإنترنت، ومواقع تدريسية على الإنترنت مثل أكاديمية خان.

” الدورات على الإنترنت يمكن أن تساعد بشكل كبير. كان التعليم متباطئًا في استخدام التكنولوجيات الرقمية ولكن هذا يجعلني متفائلًا لأن هناك مجال كبير للتحسين للقيام بعمل أفضل، وأعتقد أن هذا سيحدث في السنوات المقبلة”.

التعليم الأفضل، لا يعني الاستمرار في تدريس الموضوعات نفسها بنفس الطريقة، وبالتأكيد لا يركز في المقام الأول على الثلاثى – القراءة، والكتابة، والحساب – التي لا تزال هي حجر الزاوية في الفصول الدراسية في كثير من أنحاء العالم.

“ذلك الثلاثي كان يومًا هو المهارات التي تلزم العمال للإسهام في الاقتصاد الأكثر تقدمًا في ذلك الوقت”. كما يشير ميترا، فقد صمم النظام التعليمي في إنجلترا في العصر الفيكتوري بشكل جيد جدًا لزمانه ومكانه. ولكن هذا الزمان والمكان لم يعد لنا”، كما ذكر للكتاب.

ولكي يبقى العاملون ذوي قيمة معرفية في عصر الآلة الأخير هذا، يقول برينجولفسون ومكآفي، أن على الناس أن يركزوا على تعلم المهارات الصعبة بالنسبة لأجهزة الحاسب، مثل التفكير Ideation (ابتداع أفكار جديدة)، التعرف على الأنماط واسعة الإطار large-frame pattern recognition ، والاتصالات المعقدة complex communication.

تغيير سياسة التعليم القومية لن يحدث بين عشية وضحاها، وجزئيًا، يرى برينجولفسون الكتاب بمثابة دعوة لليقظة، للتذكرة بأنه إذا كانت التكنولوجيات تقودنا نحو الطريق الخطأ، فعلينا نحن الأفراد أن نفعل شيئًا حيال ذلك.

“أحد أسباب تأليفنا لهذا الكتاب كان هو حمل الناس على تغيير شكل المحادثة، إلى الاهتمام بهذه القضايا وأخذها إلى المقدمة” كما قال. “وما يتعين علينا القيام به هو أن نفهم، كما نقول في السطر الأخير من الكتاب،” إن التكنولوجيا ليست قدرًا، فنحن نشكل مصيرنا “. فإذا قمنا بدور نَشِط أعتقد أننا يمكن أن نعبر للجانب الآخر أكثر ثراءً وازدهارًا مشتركًا أكثر من أي وقت مضى، لكن التكنولوجيا بالتأكيد ليست حتمية”.

المقال الأصلى:
http://www.techrepublic.com/article/ai-is-destroying-more-jobs-than-it-creates-what-it-means-and-how-we-can-stop-it/?tag=nl.e098&s_cid=e098&ttag=e098&ftag=TRE126e25f