الموجة التكنولوجية الرابعة
محمد حجاج
طالب دكتوراة - جامعة طوكيو
وُلدت الطبيعة التكنولوجية للعصر الذي نعيشه الآن من رحم صناعة أشباه الموصلات Semiconductor Industry، والتي نشأت في ستينيات القرن الماضي وغيرت معها حياتنا للأبد. أقرب مقارنة لفهم عُمق التغير الحادث هو مقابلة أحوال العالم قبل وبعد اختراع الآلة البخارية.
الطبيعة التكنولوجية للعصر الحالي ليست تدريجية تمامًا، بل يمكن تقسيمها إلى مجموعة من “الموجات التكنولوجية” التي يستمر كل منها لفترة من الوقت تكون تلك الموجة “حديث الساعة” خلالها. بمرور الوقت تصل هذه الموجة لأقصى نقطة في تطورها، تختفي بعدها داخل (أو تبتلعها) الموجة التالية التي تكون قد بدأت بالفعل؛ ذلك لأن قابليتها للوصول إلى ارتفاعات أعلى- وبالتالي إحداث تغيير أكثر عمقًا – أكبر.
منذ سبعينيات القرن الماضي مر العالم بالموجات التكنولوجية التالية:
1-الموجة التناظرية Analog Wave
بدأت في سبعينيات القرن الماضي واستمرت حتى بداية التسعينيات. وحينها كان يتحدث الجميع عن الأشكال الأولى للتليفزيونات ذات الحجم الكبير والمسجلات (أتذكر أشرطة التسجيل التي كنت تقوم بإعادة لفها عن طريق قلم؟) وذلك نتيجة التقدم في تصنيع الإلكترونيات التناظرية.
2-الموجة الرقمية الأولى 1st Digital Wave:
والتي تمثل النصف الأول مما نطلق عليه “الثورة الرقمية”، بدأت منذ منتصف الثمانينيات واستمرت إلى ما بعد بداية الألفية الثانية بقليل. كان هوس الجميع في هذه الفترة هو “الكمبيوتر الشخصي” بلا منازع.
3- الموجة الرقمية الثالثة 2nd Digital Wave:
والتي تمثل النصف الثاني مما نطلق عليه “الثورة الرقمية”، بدأت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي وستستمر حتى ثلاثينيات هذا القرن (2030). هذا هو العصر الذي نعيشه الآن، عصر الإلكترونيات الاستهلاكية والشبكات. أنت لم تعد تتحدث عن الكمبيوتر الشخصي كمعجزة، انتهت تلك الفترة، أنت تتحدث عن iPad و iPhone و Tablet ، فرش الأسنان الذكية والمطبخ الذكي والمصنع الذكي والحمام الذكي (حمامات اليابان لابد من استخدام دليل إرشادي قبل استخدامها!). ثم كل هذه الأجهزة متصلة بكل شيء عن طريق الإنترنت.
4- الموجة الرابعة–الروبوتيات:
بدأت هذه الموجة في أوائل الألفية الثانية، وستبتلع الموجة الحالية تمامًا بحلول عام 2030. كما أصبح الحصول على الكمبيوتر الشخصي من المسلمات التي لا تستدعي أي نوع من التعجب، فإن كل الأجهزة التي نتفاخر بها الآن ستصل لنفس المصير، وسيكون حديث العالم لفترة غير محددة بعد ذلك عن شيء واحد: الروبوتات.
من الطبيعي أن يكون الحديث اليومي على هذه الشاكلة: كيف حال الروبوت المنزلي خاصتك؟ هل زرت الدكتور الربوتي ER-16؟ فاتورته أرخص بكثير من الدكتور البشري فلان. ما هي النسبة المئوية للعمال البشريين في مصنعك بعد؟ 15%! يالك من متخلف! هل تعرف المدرسة الفلانية؟ الروبوت مدرس اللغات رائع، تستطيع تدريس 25 لغة، ابنتي تستمتع كثيرًا بها.
إن كنت تبتسم بسخرية أو عدم تصديق فهذا ليس له سوى تفسير وحيد: أنت تفكر بصورة خطية، بينما طبيعة التقدم التكنولوجي في العالم أسِّية.
الفرق بين التفكير الخطي و التفكير الأسي بسيط؛ إذا كنت أود أن أعد 30 خطوة تمثل نمو التقدم التكنولوجي خلال السنوات بصورة خطية فسأعد 1،2،3..حتى أصل إلى30 ضعف بعد ثلاثين خطوة من بداية العد، بينما إذا كنت أعد نفس الخطوات الثلاثين لكن بصورة أسية فسيكون العد 1، 2، 4، 16.. ثم بعد 30 خطوة سنصل إلى مليار ضعف.
هل هناك دليل على هذا الكلام؟
نعم، الموبايل الذي في جيبك الآن. ثمن هذا الجهاز الصغير الذي تحمله في جيبك أقل مليون مرة من ثمن “الكمبيوتر الخارق” الذي كان بحجم طابقين في MIT في ستينيات القرن الماضي، وقدرات المعالجة التي يحملها هذا الجهاز الصغير في جيبك هي ألف ضعف قدرات المعالجة لهذا الكمبيوتر الخارق، هذا يعني أننا نتحدث عن مليار ضعف على مستوى التحسن في السعر-الكفاءة.
في الحقيقة الكثير من الناس تنبه لهذه الحقيقة. بيل جايتس مثلًا مؤسس مايكروسوفت وصاحب نبوءة أن الكمبيوتر سيتواجد في كل منزل، يخبرنا أنه بحلول العام 2020، سيكون هناك روبوت في كل منزل.
شركة جوجل، إحدى دعائم العصر الرقمي في وقتنا الحالي، تنبهت أيضًا لتلك الحقيقة، لذا فهي تعمل منذ فترة على تطوير سيارات روبوتية تقود نفسها ذاتيًا وتقف في إشارات المرور وتنتظر عبور الناس وتقود في الظلام.. إلخ، دون أي تدخل بشري. في الحقيقة استطاعت هذه السيارة في شهر أغسطس 2012 أن تقطع مسافة 480 ألف كيلومتر دون حادثة واحدة، مع العلم أن متوسط عدد السيارات في أي لحظة زمنية حولها كان 12 سيارة.
وبما أن هذا ليس مرضيًا بما فيه الكفاية لجوجل، ولن يضمن لها سوق بالقوة الكافية في العصر القادم، فلقد علمنا منذ أيام أنها كانت تقوم سرًا بشراء عدة شركات ناشئة تعمل في مجال الروبوتيات والذكاء الاصطناعي، وتحديدًا تم شراء سبع شركات حتى الآن تعمل في قطاعات متباينة في الروبوتيات.
التفاصيل هنا: http://goo.gl/OjGTvc
More Posts
Papers published through Labs Program
يتم يومياً نشر العديد من الأوراق البحثية العلمية في مجلات و جرائد علمية دولية يقدمها باحثون من مختلف الجهات البحثية الرسمية حول العالم ، لكن ما يميز هذه الورقة البحثية هو كونها نتاج أحد مبادرات مؤسستنا الغير ربحية و التي تهدف للتوعية بأهمية البحث العلمي و تقديم كل عون...
From idea to science start-up
نظرة عامة عن الطب الناتوي الموجه وعلاج مرض السرطان
الدراسة في ألمانيا
تكرس ألمانيا منذ قرون اهتماماً بالغًا بالعلم والثقافة والمعرفة؛ فمفكروها وفلاسفتها وموسيقيوها أغنوا المكتبات العالمية. وتتميز ألمانيا بجامعاتها ومعاهدها التي تنتهج أحدث ما توصل إليه العلم لتطبيق مناهج دراسية متطورة قادرة على بناء أجيال من المتعلمين والمجهزين بأحدث ما توصل إليه العلم البشري لتعليمه وتطويره وتعتبر الدراسة في ألمانيا شبه مجانية للطالب المحلي والأجنبي على السواء . تعرف على هذا وأكثر من خلال الفيديو المرفق في المقال
هل تمثل منح الدراسة في بعض الجامعات العربية فرصة تعليم حقيقية ؟!
في السنوات الأخيرة انتشرت فرص الحصول على منح دراسية وكثير من المميزات الإضافية من بعض الجامعات في الدول العربية، ولنكن أكثر تحديدًا فھي جامعات دول الخليج العربي المختلفة وبشكل خاص جامعات المملكة العربية السعودية. وللإجابة عن ھذا السؤال يجب أن نضع نصب أعيننا سؤال آخر...
مصادر ومبادرات معرفية وعلمية متاحة باللغة العربية
أصبح التعلم من على الإنترنت وسيلة هامة في وقتنا الحالي. لكن هل توجد مبادرات ومؤسسات معنية بذلك وتنطق باللغة العربية؟ بالتأكيد .. ليس هذا فقط بل إن تلك المبادرات متنوعة في ما تقوم بها من أنشطة .. بعضها يركز على الدورات والكورسات والبعض الآخر يركز على الترجمة ونشر...
One Young World’s Entrepreneur of the Year Award 2019 for young Entrepreneurs | Opportunities For Africans
Application Deadline: 19 May 2019 6pm BST One Young World’s Entrepreneur of the Year Award has been created to identify and promote 5 of the world’s most revolutionary entrepreneurs under 35 who are having a positive global impact and inspiring others with...