الإنسان وذكاء الآلة: إلى أين؟

محمد حجاج

محمد حجاج

طالب دكتورة - جامعة طوكيو

egyptscholars

تابعنا على

إحدى المشاكل التي يواجهها علم الذكاء الاصطناعي في محاولته للوصول (ثم تخطي) ذكاء الإنسان، تكمن في افتقاده لخصيصة نتمتع بها نحن البشر، يُطلق عليها “الإدراك الشائع” Common Sense”

وبعيدًا عن الجدل الفلسفي حول تعريفه، يمكننا النظر “للإدراك الشائع” على أنه ذلك النوع من المعرفة الفطرية (إلى حد ما) التي يمتلكها كل البشر (جدلًا)، والتي تمكنهم من إطلاق حكم لحظي حيال أشياء محددة بالاعتماد على المدخلات الحسية (الحواس) فقط.

مثال: إذا رأيت نارًا فإنك لن تمد يدك لتمسكها.

لماذا؟ في الحقيقة أنت لم تفكر في الأمر، “بمجرد” أن رأيت النار (مُدخل حسي) أدركت لحظيًا أنه لا يجب عليك أن تقترب منها، لأنك ستتأذى (حكم لحظي).

معرفة أن الاقتراب من النار يسبب الأذى، أو أن القفز من فوق ناطحة سحاب سيسبب الموت (على الرغم من أنك لم تجرب ذلك)، أو أن اليد هي جزء من الجسم، أو أن السفينة تبحر في الماء..إلخ كل هذه أمثلة لما يُطلَق عليه الإدراك الشائع.

هناك الكثير من الجدل حول مصدر هذا “الإدراك الشائع“، هل يولد به الإنسان؟ أم يكتسبه، ويبني “مكتبة من المعرفة الشائعة” بمرور الوقت وتفاعله مع البشر؟

يتبنى باحثو الذكاء الاصطناعي وجهة النظر الثانية، لكن هناك مشكلة: بناء مكتبة من المعرفة الشائعة يدويًا معقد جدًا. فبالإضافة إلى أن هناك جدل حول أن “الإدراك الشائع” أساس نسبي (أي أن ما يجده مجموعة من البشر أمرًا بديهيًا قد يجده آخرون غريبًا)، وبالتالي من المستحيل تحديد كافة المعلومات التي يجب أن تتضمنها هذه المكتبة، فإن كمية البيانات المطلوب إدخالها – والمستنتجة بصورة رئيسية من معلومات بصرية، حيث أننا نعتمد على أعيننا في إدراك العالم أكثر من أي شيء- هائلة للدرجة التي تجعل مجرد المحاولة غير عملية!

هل استسلم الباحثون؟

“لا”، هكذا أخبرنا مجموعة من الباحثين بمؤسسة الروبوتيات التابعة لجامعة كارنيجي ميلون، عبر المشروع البحثي الذي يقومون عليه الآن.

ويمكننا أن ننظر لما قاموا به على أنه إجابة لثلاثة أسئلة:

س: ألا يبني الإنسان “الإدراك الشائع” بمرور الوقت بالاعتماد على قدرته على التعلم ؟

ج:  بلى، إذًا فلنكتب برنامج كومبيوتر لديه القدرة على التعلم.

س: ألا يعتمد الإنسان على عينيه (الرؤية) في بناء مكتبته المعرفية؟

ج:  بلى، إذًا فلنكتب برنامج كومبيوتر يستطيع الرؤية (أو بلفظ أدق، يمكنه فهم الصور).

س: ألا يمثل العالم الذي يعيش فيه الإنسان البيئة التي تحتوي على “العناصر” التي يستخلص منها المعلومات والعلاقات ليبني بها مكتبته المعرفية ؟

ج:  بلى، إذًا فلنلقي بهذا البرنامج داخل “الإنترنت” ليتعلم من رؤيته للصور !

ومن هنا ولد مشروع “مُتعلم الصور اللانهائي” !

المشروع “نيل” -وهو اختصار لجملة “مُتعلم الصور اللانهائي” بالإنجليزية- يهدف ببساطة إلى أتمتة عملية بناء مكتبة “الإدراك الشائع” للكومبيوتر عن طريق تنفيذه للمهام الثلاثة السابقة بمفرده بأقل تدخل بشري ممكن.

يقضي “نيل” وقته (24 ساعة/ 7 أيام في الأسبوع لمدة تخطت الأربعة أشهر الآن) في البحث عن الصور على الإنترنت وبناء مكتبته البصرية، بعد ذلك يبذل أفضل ما لديه في فهمها، ليستخلص منها مكتبة أخرى خاصة “بـالإدراك الشائع” الذي تحدثنا عنه، وذلك عن طريق عمل علاقات بين العناصر المختلفة التي يراها في الصور. مثلًا، كتلك العلاقات التي نراها في الصورة المرفقة بالموضوع (العين هي جزء من الطفل – الهليكوبتر توجد في المطار – “أنف الطائرة” هو جزء من طائرة إيرباص380 – بيت الأوبرا يوجد في سيدني) أو غيرها مثل (السيارات غالبًا ما تتواجد في الطرقات، الأبنية غالبًا ما تكون رأسية، البط يشبه الأوز).

حتى الآن، بحث “نيل” في الملايين من الصور، وتعرف على 1500 عنصر مختلف في نصف مليون صورة، وتعرف على 1200 مشهد مختلف في مئات الآلاف من الصور. بعد ذلك، قام بتوصيل النقاط ليتعلم 2500 علاقة مختلفة بين الأشياء بمشاهدته لآلاف من الأمثلة.

على الرغم من أن الباحثين هم من يقومون بتوجيه “نيل” للفئة أو العنصر أو المشهد الذي عليه البحث عنه، إلا أنه يفاجئهم من حين لآخر. مثلًا، لم يتعرف “نيل” فقط على المقاتلات من نوع F-18 عندما طُلب منه البحث عنها، بل تعرف أيضًا على نوع العوامات المائية التي تحملها!

وعلى الرغم من هذا، قد يرتكب “نيل” بعض الأخطاء، لذا لا يستطيع الباحثون تركه يعمل بمفرده بالكامل، بل يحتاجون لتصحيح بعض استنتاجاته من حين لآخر. مثلًا، قد يقنع جوجل “نيل” أن كلمة Pink تشير إلى اسم مطربة، بدلًا من كونها تشير إلى لون.

إلى أين نتجه؟ وما موضعنا من الإعراب بين كل هذا؟

لا أعلم تحديدًا. لكن ما أعلمه يقينًا أننا نتجه لعالم ممتع (بالنسبة لي على الأقل)، ومع ذلك شديد القسوة؛ لأنه لن يرحم الجاهل !

المزيدhttp://goo.gl/YNo3od

More Posts

Papers published through Labs Program

Papers published through Labs Program

يتم يومياً نشر العديد من الأوراق البحثية العلمية في مجلات و جرائد علمية دولية يقدمها باحثون من مختلف الجهات البحثية الرسمية حول العالم ، لكن ما يميز هذه الورقة البحثية هو كونها نتاج أحد مبادرات مؤسستنا الغير ربحية و التي تهدف للتوعية بأهمية البحث العلمي و تقديم كل عون...

الدراسة في ألمانيا

الدراسة في ألمانيا

تكرس ألمانيا منذ قرون اهتماماً بالغًا بالعلم والثقافة والمعرفة؛ فمفكروها وفلاسفتها وموسيقيوها أغنوا المكتبات العالمية. وتتميز ألمانيا بجامعاتها ومعاهدها التي تنتهج أحدث ما توصل إليه العلم لتطبيق مناهج دراسية متطورة قادرة على بناء أجيال من المتعلمين والمجهزين بأحدث ما توصل إليه العلم البشري لتعليمه وتطويره وتعتبر الدراسة في ألمانيا شبه مجانية للطالب المحلي والأجنبي على السواء . تعرف على هذا وأكثر من خلال الفيديو المرفق في المقال

هل تمثل منح الدراسة في بعض الجامعات العربية فرصة تعليم حقيقية ؟!

هل تمثل منح الدراسة في بعض الجامعات العربية فرصة تعليم حقيقية ؟!

في السنوات الأخيرة انتشرت فرص الحصول على منح دراسية وكثير من المميزات الإضافية من بعض الجامعات في الدول العربية، ولنكن أكثر تحديدًا فھي جامعات دول الخليج العربي المختلفة وبشكل خاص جامعات المملكة العربية السعودية. وللإجابة عن ھذا السؤال يجب أن نضع نصب أعيننا سؤال آخر...

مصادر ومبادرات معرفية وعلمية متاحة باللغة العربية

مصادر ومبادرات معرفية وعلمية متاحة باللغة العربية

أصبح التعلم من على الإنترنت وسيلة هامة في وقتنا الحالي. لكن هل توجد مبادرات ومؤسسات معنية بذلك وتنطق باللغة العربية؟ بالتأكيد .. ليس هذا فقط بل إن تلك المبادرات متنوعة في ما تقوم بها من أنشطة .. بعضها يركز على الدورات والكورسات والبعض الآخر يركز على الترجمة ونشر...

Subscribe To Our Newsletter

Subscribe To Our Newsletter

Join our mailing list to receive the latest news and updates from our team.

You have successfully subscribed! Please make sure to add our email (info@egyptscholars.org) to your address book.