علم الرياضيات.. العلم الملكي

علم الرياضيات.. العلم الملكي

علم الرياضيات.. العلم الملكي

محمد حجاج

محمد حجاج

طالب دكتورة - جامعة طوكيو

egyptscholars

تابعنا على

الرياضيات ليست علمًا طبيعيًا أبدًا؛ فبالإضافة إلى أنها اللغة التي تتحدث بها معظم العلوم، فإنها لسبب ما تتصف بجمال مجرد غامض لا يتواجد في سواها. ربما بسبب قدرتها على اختزال الواقع، وحتى أفكار ما بعد الواقع في رموز.

الرياضيات هي علم “ملكي” إن جاز التعبير، وليست علمًا للعامة. هذا يفسر لماذا لا يوجد تدرج في المستوى بين المشتغلين فيها؛ فإما أن تكون متمكنًا منها أو لا تكون، لا توجد حالة وسطى! ويرجع هذا لأن من يراها على صورتها الحقيقية هو فقط من لديه القدرة على “إعادة فك” الكم الهائل من التفاصيل المضغوطة بين ثنايا رموزها و في سياق معادلاتها.

مثال صغير: كلنا تعاملنا مع أنظمة المعادلات الخطية في المدارس، ربما في المرحلة الإعدادية. هي مجموعة من المعادلات التي تحتوي على عدد من المجاهيل ومطلوب منا أن نجد لها حلًا، مثلًا:

3x + 2y – z =1

2x -2y + 4z=-2

x+ 0.5y – z =0-

المطلوب إيجاد قيمة x, y, z أو سمها س،ص، ع إن شئت، والتي تحقق المعادلات الثلاثة. ربما تقوم أنت الآن بحلها بطريقة آلية لأنها سهلة:

x= 1, y= -2, z=2

لكن السؤال ما الذي تمثله تلك المعادلات؟ وما الذي يعنيه إيجاد حل أصلًا ؟

في الحقيقة هذه المعادلات قد تفسر بطرق كثيرة وفقًا للتطبيق الذي ظهرت فيه، لكن دعنا نقرأها من وجهة نظر رياضية بحتة لنرى كم التفاصيل التي تخفى علينا.

لنرى ما لدينا

ثلاثة مجاهيل وثلاثة معادلات (وبهذا يمكننا إيجاد حل فريد لهذا النظام من المعادلات).

نحن أولًا بحاجة إلى فضاء رياضي لتعيش فيه كل معادلة من معادلاتنا ممثلة في “كائن رياضي”. بما أن لدينا ثلاثة مجاهيل فسنكون بحاجة إلى فضاء ثلاثي الأبعاد. بعد ذك علينا تمثيل المعادلات بكائنات رياضية مناسبة، في حالتنا هذه ستمثل كل معادلة “بمستوى”، كما نرى في الصورة.

ما هو ذلك “الحل” الذي حصلنا عليه؟

هو إحداثيات نقطة تقاطع هذه المستويات الثلاثة ببعضها!

لاحظ أننا لا نستطيع تخيل فوق ثلاثة أبعاد، لأن عقولنا غير مهيئة لهذا، هنا تظهر قوتها الحقيقية: بالرياضيات، نحن نستطيع حل مشاكل و التعامل مع أشياء لا نستطيع إدراكها حتى !

حقيقة كهذه هي ما دفعت جاليليو لقول أن الرياضيات هي اللغة التي كتب الله بها الكون !

حقيقية أخرى مترتبة على الحقيقة السابقة: الرياضيات تسبق كل العلوم الحالية في معرفة الحقيقة بقرن على الأقل. هذا ما جعل بيتر هيجز – الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2013 – ينتظر 40 عامًا حتى يستطيع البشر (بعد إنفاق المليارات من الدولارات وتعاون دولي لـ 10000 عالم ومهندس) أن يصلوا لإثبات عملي لحقيقة ما (بوزونات هيجز) توصل لها هو عام 1964 باستخدام الرياضيات!

هذه القوة الرهيبة هي سلاح ذو حدين:

حيث أن الرياضيات تدفع بالعقل البشري إلى حدوده القصوى، ومحاولة تخطي تلك الحدود تصل لنهايات غير سعيدة.

وهذا يفسر لماذا ينتهى المطاف بالعديد من العباقرة بأمراض عقلية أو انتحار أو اكتئاب مزمن. الفيلم الوثائقي ( Dangerous Knowledge معرفة خطرة) يصور هذا الأمر بتتبع نهايات أربعة من أعظم العقول البشرية في التاريخ: جورج كانتور، لودفيش بولتزمان، كورت جودل وآلان تيورينج.

يمكنك المشاهدة هنا: http://topdocumentaryfilms.com/dangerous-knowledge/

More Posts

Crisis Management

Crisis Management

يعتبر التعامل مع الأزمات على كافة المستويات فن من المهم أن يجيده الفرد حتى يتعامل معها ، تعرف على مفهوم الأزمات و كيفية ادارتها و أهميتها من خلال المحاضرة

الإنسان وذكاء الآلة: إلى أين؟

الإنسان وذكاء الآلة: إلى أين؟

الإنسان وذكاء الآلة: إلى أين؟

محمد حجاج

محمد حجاج

طالب دكتورة - جامعة طوكيو

egyptscholars

تابعنا على

إحدى المشاكل التي يواجهها علم الذكاء الاصطناعي في محاولته للوصول (ثم تخطي) ذكاء الإنسان، تكمن في افتقاده لخصيصة نتمتع بها نحن البشر، يُطلق عليها “الإدراك الشائع” Common Sense”

وبعيدًا عن الجدل الفلسفي حول تعريفه، يمكننا النظر “للإدراك الشائع” على أنه ذلك النوع من المعرفة الفطرية (إلى حد ما) التي يمتلكها كل البشر (جدلًا)، والتي تمكنهم من إطلاق حكم لحظي حيال أشياء محددة بالاعتماد على المدخلات الحسية (الحواس) فقط.

مثال: إذا رأيت نارًا فإنك لن تمد يدك لتمسكها.

لماذا؟ في الحقيقة أنت لم تفكر في الأمر، “بمجرد” أن رأيت النار (مُدخل حسي) أدركت لحظيًا أنه لا يجب عليك أن تقترب منها، لأنك ستتأذى (حكم لحظي).

معرفة أن الاقتراب من النار يسبب الأذى، أو أن القفز من فوق ناطحة سحاب سيسبب الموت (على الرغم من أنك لم تجرب ذلك)، أو أن اليد هي جزء من الجسم، أو أن السفينة تبحر في الماء..إلخ كل هذه أمثلة لما يُطلَق عليه الإدراك الشائع.

هناك الكثير من الجدل حول مصدر هذا “الإدراك الشائع“، هل يولد به الإنسان؟ أم يكتسبه، ويبني “مكتبة من المعرفة الشائعة” بمرور الوقت وتفاعله مع البشر؟

يتبنى باحثو الذكاء الاصطناعي وجهة النظر الثانية، لكن هناك مشكلة: بناء مكتبة من المعرفة الشائعة يدويًا معقد جدًا. فبالإضافة إلى أن هناك جدل حول أن “الإدراك الشائع” أساس نسبي (أي أن ما يجده مجموعة من البشر أمرًا بديهيًا قد يجده آخرون غريبًا)، وبالتالي من المستحيل تحديد كافة المعلومات التي يجب أن تتضمنها هذه المكتبة، فإن كمية البيانات المطلوب إدخالها – والمستنتجة بصورة رئيسية من معلومات بصرية، حيث أننا نعتمد على أعيننا في إدراك العالم أكثر من أي شيء- هائلة للدرجة التي تجعل مجرد المحاولة غير عملية!

هل استسلم الباحثون؟

“لا”، هكذا أخبرنا مجموعة من الباحثين بمؤسسة الروبوتيات التابعة لجامعة كارنيجي ميلون، عبر المشروع البحثي الذي يقومون عليه الآن.

ويمكننا أن ننظر لما قاموا به على أنه إجابة لثلاثة أسئلة:

س: ألا يبني الإنسان “الإدراك الشائع” بمرور الوقت بالاعتماد على قدرته على التعلم ؟

ج:  بلى، إذًا فلنكتب برنامج كومبيوتر لديه القدرة على التعلم.

س: ألا يعتمد الإنسان على عينيه (الرؤية) في بناء مكتبته المعرفية؟

ج:  بلى، إذًا فلنكتب برنامج كومبيوتر يستطيع الرؤية (أو بلفظ أدق، يمكنه فهم الصور).

س: ألا يمثل العالم الذي يعيش فيه الإنسان البيئة التي تحتوي على “العناصر” التي يستخلص منها المعلومات والعلاقات ليبني بها مكتبته المعرفية ؟

ج:  بلى، إذًا فلنلقي بهذا البرنامج داخل “الإنترنت” ليتعلم من رؤيته للصور !

ومن هنا ولد مشروع “مُتعلم الصور اللانهائي” !

المشروع “نيل” -وهو اختصار لجملة “مُتعلم الصور اللانهائي” بالإنجليزية- يهدف ببساطة إلى أتمتة عملية بناء مكتبة “الإدراك الشائع” للكومبيوتر عن طريق تنفيذه للمهام الثلاثة السابقة بمفرده بأقل تدخل بشري ممكن.

يقضي “نيل” وقته (24 ساعة/ 7 أيام في الأسبوع لمدة تخطت الأربعة أشهر الآن) في البحث عن الصور على الإنترنت وبناء مكتبته البصرية، بعد ذلك يبذل أفضل ما لديه في فهمها، ليستخلص منها مكتبة أخرى خاصة “بـالإدراك الشائع” الذي تحدثنا عنه، وذلك عن طريق عمل علاقات بين العناصر المختلفة التي يراها في الصور. مثلًا، كتلك العلاقات التي نراها في الصورة المرفقة بالموضوع (العين هي جزء من الطفل – الهليكوبتر توجد في المطار – “أنف الطائرة” هو جزء من طائرة إيرباص380 – بيت الأوبرا يوجد في سيدني) أو غيرها مثل (السيارات غالبًا ما تتواجد في الطرقات، الأبنية غالبًا ما تكون رأسية، البط يشبه الأوز).

حتى الآن، بحث “نيل” في الملايين من الصور، وتعرف على 1500 عنصر مختلف في نصف مليون صورة، وتعرف على 1200 مشهد مختلف في مئات الآلاف من الصور. بعد ذلك، قام بتوصيل النقاط ليتعلم 2500 علاقة مختلفة بين الأشياء بمشاهدته لآلاف من الأمثلة.

على الرغم من أن الباحثين هم من يقومون بتوجيه “نيل” للفئة أو العنصر أو المشهد الذي عليه البحث عنه، إلا أنه يفاجئهم من حين لآخر. مثلًا، لم يتعرف “نيل” فقط على المقاتلات من نوع F-18 عندما طُلب منه البحث عنها، بل تعرف أيضًا على نوع العوامات المائية التي تحملها!

وعلى الرغم من هذا، قد يرتكب “نيل” بعض الأخطاء، لذا لا يستطيع الباحثون تركه يعمل بمفرده بالكامل، بل يحتاجون لتصحيح بعض استنتاجاته من حين لآخر. مثلًا، قد يقنع جوجل “نيل” أن كلمة Pink تشير إلى اسم مطربة، بدلًا من كونها تشير إلى لون.

إلى أين نتجه؟ وما موضعنا من الإعراب بين كل هذا؟

لا أعلم تحديدًا. لكن ما أعلمه يقينًا أننا نتجه لعالم ممتع (بالنسبة لي على الأقل)، ومع ذلك شديد القسوة؛ لأنه لن يرحم الجاهل !

المزيدhttp://goo.gl/YNo3od

More Posts

Crisis Management

Crisis Management

يعتبر التعامل مع الأزمات على كافة المستويات فن من المهم أن يجيده الفرد حتى يتعامل معها ، تعرف على مفهوم الأزمات و كيفية ادارتها و أهميتها من خلال المحاضرة

مرض السكري.. القاتل الحلو !

مرض السكري.. القاتل الحلو !

مرض السكري.. القاتل الحلو !

محمد إبراهيم سعد

محمد إبراهيم سعد

egyptscholars

تابعنا على

صديقي العزيز.. في هذا المقال سنستعرض واحدًا من أهم الأمراض المعاصرة، ألا وهو مرض السكري أو البول السكري (Diabetes Mellitus) .. وسنتعرف على تاريخ اكتشافه، وأنواعه، ومدى انتشاره ومعدل الإصابة به، وما هي الطرق المستخدمة لتشخيصه، وما هي طرق ووسائل علاجه، وكيف يمكنك الوقاية منه..

ما هو مرض السكري؟

مرض السكري هو مجموعة من الاضطربات التي تحدث في التمثيل الغذائي (Metabolism) للكربوهيدرات والدهون في الجسم، وأهم ما يميز مرض السكري هو ارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم؛ وذلك نتيجة لقلة إفراز هرمون الإنسولين من البنكرياس وعدم كفاءة الإنسولين في تقليل نسبة الجلوكوز في الدم لمقاومة الأنسجة له. زيادة نسبة الجلوكوز في الدم يُؤثر سلبًا علي وظائف العديد من الأعضاء كالكُلى وشبكية العين والأعصاب الطرفية، كما أن الجلوكوز الزائد في الدم قد يخرج في البول (عند زيادة نسبته عن 180 mg/dl) ولهذا يسمى المرض بالبول السكري.

خروج الجلوكوز في البول يؤدي إلي زيادة كميته (لأن الجلوكوز يُزيد الضغط الأُسموزي للبول)، مما يؤدي إلى إحساس المريض بالعطش، كما يؤدي إلي فقدان الجسم للكثير من السوائل وحدوث الجفاف.

ما هي أهم الأحداث التاريخية لاكتشاف مرض السكري؟

  1. توجد بردية مصرية كتبت في 1500 قبل الميلاد واكتُشفت سنة 1862 ميلادية تحتوي علي وصف للعديد من الأمراض من ضمنها المرض الذي يسبب غزارة البول، وربما تكون هذه إشارة إلى مرض السكري!
  2. وجدت مخطوطات هندية كتبت في نفس التوقيت تقريبًا تدل على اكتشافهم لمرض السكري، وأطلقوا عليه “البول العسلي” نتيجة لأن بول المصابين كان يجذب الذباب والنمل!
  3. في سنة 230 قبل الميلاد اكتشف الأطباء اليونانيون المرض وهم أول من أطلقوا عليه “Diabetes” بمعنى زيادة في كمية البول!
  4. في حوالي سنة 50 بعد الميلاد سجل طبيب يوناني في الإسكندرية يدعى “Aretaeus” أول تشخيص يفرق بين مرض الـ Diabetes Mellitus (البول السكري)، ومرض الـ Diabetes Insipidus (مرض يحدث فيه أيضًا زيادة في كمية البول نتيجة لعدم قدرة الغدة النخامية على إفراز هرمون يسمي الـ Vasopressin أو Anti-diuretic hormone وهو الهرمون المسؤول عن تقليل نسبة الماء في البول)، وأوضح الطبيب أن الفرق الأساسي هو وجود الجلوكوز في بول مرضى السكري فقط!
  5. في القرون التالية زادت الكتابات التي تصف مرض السكري وأعراضه وكان أشهرها الكتابات الصينية والهندية، كما شرح ابن سينا المرض تفصيليًا في كتابه “القانون”.
  6. في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ازدهرت الاكتشافات العلمية والبحثية، وتطور فهم الأطباء للمرض بعد اكتشاف هرمون الإنسولين سنة 1921-1922.

في سنة 1921 تمكن “Frederick Banting” جراح العظام وأستاذ الفيسيولوجي بجامعة Western Ontario بكندا بمساعدة “John McLeod” أستاذ الفيسيولوجي بجامعة Toronto بكندا، و”Charles Best” طالب الفيسيولوجي، والمتخصص في الكيمياء الحيوية “James Collip” في فصل هرمون الإنسولين واكتشاف علاقته بمرض السكري لأول مرة في تاريخ البشرية من خلال تجاربهم علي الكلاب، حيث تمكن هرمون الإنسولين المستخلص من بنكرياس الكلاب من تحسين الحالة العامة وزيادة عمر الكلاب المصابة بالسكري تجريبًا (بعد إزالة البنكرياس جراحيًا).

في عام 1923 حصل Banting و McLeod على جائزة نوبل لاكتشافهما هرمون الإنسولين، وتقاسم كل منهما الجائزة مع Best و Collip. بعد ذلك قامت شركة Eli Lilly بإنتاج أول مستحضر للإنسولين وتوزيعه تجاريًا.

ما هو مدى انتشار مرض السكري؟

  • يحتل مرض السكري المركز السابع عالميًا في قائمة الأمراض المؤدية للوفاة، ففي 2012 بلغت نسبة الوفيات نتيجة الإصابة بمرض السكر 5 مليون شخص.
  • في عام 2010بلغ عدد المصابين بمرض السكري حوالي 285 مليون شخص في العالم، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد ليصبح 439 مليون مصابًا في 2030.
  • تشير الإحصائيات في 2014 إلي أن حوالي 9% من البالغين (أكبر من 18 سنة) مصابون بمرض السكري، وأن 80% منهم في الدول محدودة ومتوسطة الدخل.

في المقال القادم إن شاء الله نتعرف على أنواع مرض السكري وطرق علاجه وكيفية الوقاية منه.

دمتم أصحاء

المصادر:

http://nobelprize.org

http://www.nobelprize.org/educational/medicine/insulin/discovery-insulin.html

http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs312/en/

http://www.diabetes.org/diabetes-basics/statistics/

Chen, L., D.J. Magliano, and P.Z. Zimmet (2011). The worldwide epidemiology of type 2 diabetes mellitus – present and future perspectives. Nature Reviews Endocrinology, 8(4), 228-236.

Principles of Diabetes Mellitus (Book). Poretsky L (ed). 2nd Ed. Springer. 2010.

More Posts

Crisis Management

Crisis Management

يعتبر التعامل مع الأزمات على كافة المستويات فن من المهم أن يجيده الفرد حتى يتعامل معها ، تعرف على مفهوم الأزمات و كيفية ادارتها و أهميتها من خلال المحاضرة

نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ .. حقيقة أم خرافة؟

نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ .. حقيقة أم خرافة؟

نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ .. حقيقة أم خرافة؟

طارق عابد

طارق عابد

egyptscholars

تابعنا على

بالطبع أغلبنا قد سَمِع أو قرأ من قبل عن نظرية الدماغ الأيسر والأيمن وتعرضنا لأشخاص يعتقدون أنهم يستخدمون الجزء الأيسر من الدماغ أكثر من الأيمن أو العكس وقد يكون بعضكم يعتقد بصحة هذه النظرية أيضًا، وعلى الأرجح البعض منّا قد تعرّض من قبل لاختبارات على الإنترنت الغرض منها تحديد ما إذا كنت تستخدم الجزء الأيمن أو الأيسر من دماغك. ونظرًا للشهرة الكبيرة التي تحظى بها هذه النظرية قد تتفاجأ عندما تعلم أن هناك الكثير من المغالطات المتعلقة بها وأن هناك أبحاثًا حديثة تثبت خطأها.

إذًا ما هي هذه النظرية؟

وفقًا لنظرية سيطرة الجزء الأيمن أو الأيسر من الدماغ، كل جزء من الدماغ يتحكم في أنواع مختلفة من التفكير لهذا هناك أشخاص تُفضل وتبرَع في نوع مُعين من التفكير على الأخر. على سبيل المثال، الشخص الذي يستخدم الجزء الأيسر من الدماغ يُقال أنه يتَميّز في التفكير المنطقي والتحليلي وموضوعي بينما يتميز الشخص الذي يستخدم الجزء الأيمن من الدماغ بأنه حدسي وعميق التفكير وغير موضوعي.

في علم النفس نجد أن هذه النظرية مبنية على ما يُعرف بنظرية التخصيص الجانبي لوظائف الدماغ lateralization، إذًا هل بالفعل كل جزء من الدماغ يتحكم في وظائف معينة؟، هل يستخدم الشخص إما الجزء الأيمن من دماغه أو الأيسر؟. كسائر نظريات علم النفس المنتشرة نشأت هذه النظرية الخاطئة بسبب مُلاحظات عن الدماغ البشري تم تشويهها والمبالغة فيها بشكلٍ كبير مع مرور الزمن. لنلقي نظرة في البداية على ما تقترحه هذه النظرية.

النصف الأيمن:

وفقًا للنظرية نجد أن النصف الأيمن من الدماغ هو الأفضل في المهام الإبداعية والتعبيرية، بعض القدرات المصحوبة بالجزء الأيمن من الدماغ تتضمن:

  • التعرف على الوجوه
  • التعبير عن المشاعر
  • الموسيقى
  • فهم وإدراك المشاعر
  • الألوان
  • الصور
  • الحدس وسرعة البديهة
  • الإبداع

النصف الأيسر:

النصف الأيسر من الدماغ وفقًا للنظرية يعتبر ماهرًا في المهام التي تتضمن المنطق، اللغة والتفكير التحليلي، ويوصف الجزء الأيسر بتفوقه في القدرات التالية:

  • اللغة
  • المنطق
  • التفكير النقدي
  • الأرقام
  • الاستنتاج

نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ ظهرت بفضل أعمال Roger W. Sperry والذي حاز على جائزة نوبل في عام 1981، بينما كان يدرس ويبحث آثار داء الصرع اكتشف روجر أن قطع الجِسم الثَّفني أو الجسم الجاسئ -corpus callosum – (مجموعة من الألياف العصبية التي تربط نصفي الدماغ ببعضهما البعض) يمكن أن يُقلل ويمنع نوبات الصرع.

للتوضيح، في بعض حالات الصرع الشديدة يلجأ الأطباء إلى قطع جزء كبير من نصف الدماغ الذي تبدأ منه نوبات الصرع كحل أخير ومع مرور الوقت يملأ السائل الدماغي ذلك الفراغ مرة أخرى وقد يلزم المريض سنة أو أكثر إلى أن يتعافى ويصبح طبيعيًا مرة أخرى وهذا ما يدفع العلماء ويدفعنا في الواقع للتساؤل عن فائدة النصف الذي تم استئصاله من البداية؟!.

من الجدير بالذكر أنه قد ظهرت على المرضى أعراض أخرى بعد أن تم قطع خط الاتصال بين نصفي دماغهم. على سبيل المثال، وُجِد أن العديد من المرضى فقدوا القدرة على معرفة أسماء أشياء يتم معالجتها والتفكير فيها باستخدام النصف الأيمن من الدماغ ولكن كانت لديهم القدرة على معرفة أسماء الأشياء التي يتم التفكير فيها بالنصف الأيسر من الدماغ. وبناءً على هذه المعلومات والملاحظات استنتج روجر أن اللغة مثلًا يتم التحكم بها عن طريق نصف الدماغ الأيسر.

وفي منتصف القرن الثامن عشر اكتشف الطبيب Paul Broca منطقة أساسية في النصف الأيسر من الدماغ وذكر أنها مسؤولة عن اللغة، وأي تلف أو عبث في منطقة بروكا كما يطلق عليها اليوم سينتج عنه شخص غير قادر على التحدث وقد رأيت هذه الحالة تحديدًا في أحد البرامج الوثائقية عندما كان الطبيب يقوم بتعريض تلك المنطقة لشحنة كهربائية طفيفة تُفقد الشخص الذي أمامه القدرة على النطق مؤقتًا حتى يقوم برفع يده مرة أخرى، الشيء المدهش هو أن نفس المنطقة في النصف الآخر من الدماغ ليس لها أي تأثير على الإطلاق.

منطقة أخرى مسؤولة عن التعرف على الوجوه ونجدها في الجزء السفلي من الدماغ، النصف الأيمن من هذه المنطقة يقوم بمعظم العمل اللازم للتعرف على الأوجه، في الواقع لو نظرت لوجه شخص ما بالعين اليسرى فقط (المرتبطة بالجزء الأيمن من الدماغ) ستتمكن من التعرف على وجهه أفضل بكثير مما إذا استخدمت العين اليمنى فقط.

تلا هذا الأمر بعد ذلك أبحاث ودراسات أظهرت أن الدماغ ليس في الواقع جسمًا ثنائيًا كما يبدو. على سبيل المثال، دراسة حديثة أظهرت أن قدرة الإنسان على القيام بأنشطة معينة مثل الرياضيات تكون في أكفأ حالاتها عندما يستخدم نصفي دماغه في نفس الوقت. اليوم يدرك علماء المخ والأعصاب جيدًا أن نصفي الدماغ يعملان معًا لإنجاز العديد من المهام والوظائف وأن كليهما يتصلان ببعضهما البعض من خلال الجسم الجاسئ.

يقول كارل زيمر في مقال نُشر في مجلة ديسكفري “بغض النظر عن درجة التخصصية الثنائية الموجودة في الدماغ فكلا نصفيه يعملان معًا وجنبًا إلى جنب، نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ لا تعطي التصور الصحيح لعلاقة العمل الحميمية بين نصفي الدماغ، النصف الأيسر من الدماغ متخصص في التقاط الأصوات التي تتشكل منها الكلمات وترجمتها للمعنى الحرفي المقابل لها على سبيل المثال، ولكن ليس لديه قدرة على المعالجة اللغوية. النصف الأيمن من الدماغ في الواقع أكثر حساسية وإدراكًا للمشاعر التي تتضمنها وتحملها اللغة والكلمات.

في دراسة أخرى قام بها باحثون من جامعة يوتاه، أكثر من 1000 مشارك تم تحليل أدمغتهم بغرض معرفة ما إذا كان أحدهم يميل لاستخدام أحد نصفي الدماغ أكثر من الآخر، وكشفت الدراسة عن أنه قد يكون النشاط مرتفعًا في بعض الأحيان في مناطق مهمة من الدماغ ولكن كلا نصفي الدماغ كانا متساويين من حيث النشاط في المتوسط. ويقول الدكتور جيف أندرسون المشرف على الدراسة “أنه صحيح قطعًا أن بعض وظائف الدماغ تحدث في أحد نصفي الدماغ دون الآخر، اللغة تحدث في الجزء الأيسر، والانتباه والتركيز يحدث في الجزء الأيمن، ولكن الناس لا تصنف إجمالًا بحسب استخدام الجزء الأيسر أو الأيمن من الدماغ”.

في فترة التسعينات من القرن المنصرم ادّعى عالم النفس Michael Corballisأن عدم التماثل بين نصفي الدماغ (أو التخصصية الوظيفية) يعد من أهم مراحل تطور البشر وهي المزية التي ساهمت في حصولنا على اللغة والقدرات العقلية الأخرى التي تميزنا عن باقي الكائنات، اليوم يعترف مايكل أنه كان على خطأ وأن التخصصية الوظيفية لنصفي الدماغ ليست حكرًا على البشر، الببغاء مثلًا يفضل أن يلتقط الأشياء بقدمه اليسرى، الضفدع يهاجم الضفادع الأخرى من الجهة اليمنى بينما يطارد فريسته من الجهة اليسرى، السمك الوحشي يفضل أن ينظر للأشياء الجديدة بعينه اليمنى بينما ينظر للأشياء المألوفة بالعين اليسرى.

إحدى الفرضيات تقترح أن التخصصية الوظيفية لنصفي الدماغ أفضل من أن يكون نصفي الدماغ مجرد انعكاس لبعضهما البعض ويقومان بنفس الوظائف في نفس الوقت وعوضًا عن ذلك يمكن لأحد النصفين أن يقوم بوظيفة ما ليترك النصف الآخر للقيام بمهمة أخرى، عالمة الأحياء Lesley Rogers اختبرت هذه الفرضية على الدجاج، إذ يستخدم الدجاج النصف الأيسر من الدماغ للنقر والبحث عن البذور ويستخدم النصف الأيمن لمراقبة المفترسين، بعض الدجاج يتميز بتخصصية وظيفية في الدماغ أكثر من البعض الآخر وهناك طريقة بسيطة لزيادة تلك التخصصية الوظيفية من خلال تعريض جنين الدجاجة للضوء أثناء وجوده في البيضة، جنين الدجاج يتطور في الغالب وعينة اليسرى مطوية للداخل بينما تكون العين اليمنى معرضة للجزء الخارجي من قشرة البيضة، من خلال تعريض وإثارة العين اليمنى بالضوء يمكن التأثير على تطور ونمو النصف الأيسر من الدماغ وليس الأيمن. قامت ليزلي وزملاؤها بتربية 27 من صغار الدجاج الذين تم تعريضهم للضوء و24 آخرين لم يتم تعريضهم للضوء، وكل يوم يقوم الباحثون بوضع الفراخ الصغيرة في صندوق خاص به بذور وحصى مبعثرة على أرضيته وفي نفس الوقت يقومون بتشتيت الفراخ بتمرير دمية على شكل صقر من فوق رؤوسهم ثم لاحظوا بعد ذلك كيف كانت قدرة الفراخ الصغيرة على التمييز بين البذور والحصى وتوصلوا إلى أن الفراخ الصغيرة التي تعرضت للضوء كان أداؤها أفضل من الأخرى، واستنتج الفريق من ذلك أن التخصصية الوظيفية الزائدة التي اكتسبتها الفراخ وفرت لها تعددية في المهام إذ أصبح بإمكانها استخدام كل عين بشكل منفصل وبكفاءة من أجل مراقبة الصقر والتمييز بين البذور والحصى.

والدراسات والأبحاث كثيرة في الواقع ويصعب علينا ذكرها جميعًا في هذا المقال ولكن علماء الأعصاب يعلمون اليوم جيدًا أن نصفي الدماغ يعملان يدًا بيد ويتصلان ببعضهما من خلال الجسم الجاسئ الذي ذكرناه ولكن طريقة التعاون التي تتم بينهما هي التي لا نعلمها تمامًا، ربما تتبادل الأجزاء المتشابهة الأدوار فيما بينهما ليسيطر أحدهما فترة ثم يسيطر الجزء الآخر كما يحدث في بعض الحيوانات مثل الدلافين مثلًا التي تستخدم هذه التقنية من أجل النوم والسباحة في نفس الوقت بعض العصافير تستخدم نفس الاستراتيجية من أجل الغناء ويعمل نصفا دماغها بالتبادل من أجل التحكم في الرئتين أثناء الغناء إذ يتحكم كل نصف منهما لأجزاء بسيطة من الثانية ليستلم النصف الثاني التحكم.

ولعل أشد ما يثير الدهشة والتعجب قدرة الدماغ على العمل بنصف دماغ واحد فقط، بعد أن يتم إجبار احد نصفي الدماغ على استلام زمام الأمور بمفردة بعد استئصال النصف الآخر يبدأ في مد خطوط اتصال جديدة وإعادة بناء نفسه بحيث يمكنه التحكم الكامل في الجسم، في الواقع نصفا الدماغ يمكن أن يتسببا في مشاكل أكثر من نصف واحد لو كانت هناك صعوبة في الاتصال بينهما وهناك بعض علماء الأعصاب الذين ربطوا بين اضطرابات نفسية مثل عسر القراءة أو أمراض شديدة مثل ألزهايمر بمشاكل الاتصال بين النصف الأيسر والأيمن من الدماغ.

إذًا لماذا لا يزال الناس يتحدثون عن هذه النظرية؟

الباحثون والدراسات المختلفة أثبتت بالفعل أن نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ مجرد حقيقة خاطئة، ومع ذلك لا زالت هذه النظرية متداولة وتحظى بشعبية كبيرة بين الناس والوسائل الإعلامية المختلفة، ولسوء الحظ لا يدرك معظم الناس أن هذه النظرية قديمة جدًا. اليوم، قد يدرس الطلاب هذه النظرية كجزء تاريخي متعلق بمجالهم ليس أكثر لفهم كيف تطورت أفكارنا ونظرياتنا حول طريقة عمل الدماغ عبر الزمن. إدراك نقاط قوتك وضعفك بعيدًا عن مبالغات وتعميم كتب علم النفس وتطوير الذات يمكن أن يساعدك على التعلم بشكل أفضل والشيء الهام الذي يجب أن تتذكره إذا تعرضت لأحد اختبارات تحديد ما إذا كنت تستخدم النصف الأيمن أو الأيسر من دماغك على الإنترنت هو أنها للترفية ولا يجب أن تعول كثيرًا على نتائجها.

المصادر:

1 2 3 4 5 6 7

More Posts

Crisis Management

Crisis Management

يعتبر التعامل مع الأزمات على كافة المستويات فن من المهم أن يجيده الفرد حتى يتعامل معها ، تعرف على مفهوم الأزمات و كيفية ادارتها و أهميتها من خلال المحاضرة

الموجة التكنولوجية الرابعة

الموجة التكنولوجية الرابعة

الموجة التكنولوجية الرابعة

محمد حجاج

محمد حجاج

طالب دكتوراة - جامعة طوكيو

egyptscholars

تابعنا على

وُلدت الطبيعة التكنولوجية للعصر الذي نعيشه الآن من رحم صناعة أشباه الموصلات Semiconductor Industry، والتي نشأت في ستينيات القرن الماضي وغيرت معها حياتنا للأبد. أقرب مقارنة لفهم عُمق التغير الحادث هو مقابلة أحوال العالم قبل وبعد اختراع الآلة البخارية.

الطبيعة التكنولوجية للعصر الحالي ليست تدريجية تمامًا، بل يمكن تقسيمها إلى مجموعة من “الموجات التكنولوجية” التي يستمر كل منها لفترة من الوقت تكون تلك الموجة “حديث الساعة” خلالها. بمرور الوقت تصل هذه الموجة لأقصى نقطة في تطورها، تختفي بعدها داخل (أو تبتلعها) الموجة التالية التي تكون قد بدأت بالفعل؛ ذلك لأن قابليتها للوصول إلى ارتفاعات أعلى- وبالتالي إحداث تغيير أكثر عمقًا – أكبر.

منذ سبعينيات القرن الماضي مر العالم بالموجات التكنولوجية التالية:

1-الموجة التناظرية Analog Wave

بدأت في سبعينيات القرن الماضي واستمرت حتى بداية التسعينيات. وحينها كان يتحدث الجميع عن الأشكال الأولى للتليفزيونات ذات الحجم الكبير والمسجلات (أتذكر أشرطة التسجيل التي كنت تقوم بإعادة لفها عن طريق قلم؟) وذلك نتيجة التقدم في تصنيع الإلكترونيات التناظرية.

2-الموجة الرقمية الأولى 1st Digital Wave:

والتي تمثل النصف الأول مما نطلق عليه “الثورة الرقمية”، بدأت منذ منتصف الثمانينيات واستمرت إلى ما بعد بداية الألفية الثانية بقليل. كان هوس الجميع في هذه الفترة هو “الكمبيوتر الشخصي” بلا منازع.

3- الموجة الرقمية الثالثة 2nd Digital Wave:

والتي تمثل النصف الثاني مما نطلق عليه “الثورة الرقمية”، بدأت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي وستستمر حتى ثلاثينيات هذا القرن (2030). هذا هو العصر الذي نعيشه الآن، عصر الإلكترونيات الاستهلاكية والشبكات. أنت لم تعد تتحدث عن الكمبيوتر الشخصي كمعجزة، انتهت تلك الفترة، أنت تتحدث عن iPad و iPhone و Tablet ، فرش الأسنان الذكية والمطبخ الذكي والمصنع الذكي والحمام الذكي (حمامات اليابان لابد من استخدام دليل إرشادي قبل استخدامها!). ثم كل هذه الأجهزة متصلة بكل شيء عن طريق الإنترنت.

4- الموجة الرابعة–الروبوتيات:

بدأت هذه الموجة في أوائل الألفية الثانية، وستبتلع الموجة الحالية تمامًا بحلول عام 2030. كما أصبح الحصول على الكمبيوتر الشخصي من المسلمات التي لا تستدعي أي نوع من التعجب، فإن كل الأجهزة التي نتفاخر بها الآن ستصل لنفس المصير، وسيكون حديث العالم لفترة غير محددة بعد ذلك عن شيء واحد: الروبوتات.

من الطبيعي أن يكون الحديث اليومي على هذه الشاكلة: كيف حال الروبوت المنزلي خاصتك؟ هل زرت الدكتور الربوتي ER-16؟ فاتورته أرخص بكثير من الدكتور البشري فلان. ما هي النسبة المئوية للعمال البشريين في مصنعك بعد؟ 15%! يالك من متخلف! هل تعرف المدرسة الفلانية؟ الروبوت مدرس اللغات رائع، تستطيع تدريس 25 لغة، ابنتي تستمتع كثيرًا بها.

إن كنت تبتسم بسخرية أو عدم تصديق فهذا ليس له سوى تفسير وحيد: أنت تفكر بصورة خطية، بينما طبيعة التقدم التكنولوجي في العالم أسِّية.

الفرق بين التفكير الخطي و التفكير الأسي بسيط؛ إذا كنت أود أن أعد 30 خطوة تمثل نمو التقدم التكنولوجي خلال السنوات بصورة خطية فسأعد 1،2،3..حتى أصل إلى30 ضعف بعد ثلاثين خطوة من بداية العد، بينما إذا كنت أعد نفس الخطوات الثلاثين لكن بصورة أسية فسيكون العد 1، 2، 4، 16.. ثم بعد 30 خطوة سنصل إلى مليار ضعف.

هل هناك دليل على هذا الكلام؟

نعم، الموبايل الذي في جيبك الآن. ثمن هذا الجهاز الصغير الذي تحمله في جيبك أقل مليون مرة من ثمن “الكمبيوتر الخارق” الذي كان بحجم طابقين في MIT في ستينيات القرن الماضي، وقدرات المعالجة التي يحملها هذا الجهاز الصغير في جيبك هي ألف ضعف قدرات المعالجة لهذا الكمبيوتر الخارق، هذا يعني أننا نتحدث عن مليار ضعف على مستوى التحسن في السعر-الكفاءة.

في الحقيقة الكثير من الناس تنبه لهذه الحقيقة. بيل جايتس مثلًا مؤسس مايكروسوفت وصاحب نبوءة أن الكمبيوتر سيتواجد في كل منزل، يخبرنا أنه بحلول العام 2020، سيكون هناك روبوت في كل منزل.

شركة جوجل، إحدى دعائم العصر الرقمي في وقتنا الحالي، تنبهت أيضًا لتلك الحقيقة، لذا فهي تعمل منذ فترة على تطوير سيارات روبوتية تقود نفسها ذاتيًا وتقف في إشارات المرور وتنتظر عبور الناس وتقود في الظلام.. إلخ، دون أي تدخل بشري. في الحقيقة استطاعت هذه السيارة في شهر أغسطس 2012 أن تقطع مسافة 480 ألف كيلومتر دون حادثة واحدة، مع العلم أن متوسط عدد السيارات في أي لحظة زمنية حولها كان 12 سيارة.

وبما أن هذا ليس مرضيًا بما فيه الكفاية لجوجل، ولن يضمن لها سوق بالقوة الكافية في العصر القادم، فلقد علمنا منذ أيام أنها كانت تقوم سرًا بشراء عدة شركات ناشئة تعمل في مجال الروبوتيات والذكاء الاصطناعي، وتحديدًا تم شراء سبع شركات حتى الآن تعمل في قطاعات متباينة في الروبوتيات.

التفاصيل هنا: http://goo.gl/OjGTvc

More Posts

Crisis Management

Crisis Management

يعتبر التعامل مع الأزمات على كافة المستويات فن من المهم أن يجيده الفرد حتى يتعامل معها ، تعرف على مفهوم الأزمات و كيفية ادارتها و أهميتها من خلال المحاضرة

Subscribe To Our Newsletter

Subscribe To Our Newsletter

Join our mailing list to receive the latest news and updates from our team.

You have successfully subscribed! Please make sure to add our email (info@egyptscholars.org) to your address book.